فصل: وقت انتهاء ولاية القاضي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.حكم القضاء بين الكفار:

القاضي يحكم بين الناس بشرع الله عز وجل.
وإذا تحاكم الكفار إلى قضاة المسلمين جاز للقاضي أن يحكم بينهم بما أنزل الله، وبما يقضي به بين المسلمين.
قال الله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [42]} [المائدة: 42].

.حكم تولي المرأة القضاء:

الولايات العامة والقضاء من مناصب الرجال دون النساء، فالرجال قوامون على النساء بالرعاية والحماية والولاية والكفاية، والرجال أقدر على الكسب والتحمل والتصرف في الأمور، ولكمال استعداد الرجال في الخَلْق والفطرة كانت فيهم النبوة والإمامة الكبرى والصغرى، وإقامة الشعائر كالأذان، والخطبة، وإمامة الصلاة وغيرها، فلا تصح ولاية المرأة في هذه الأمور، والأمة التي توليها لن تفلح في دينها ولا دنياها ولا أخراها؛ لمصادمتها الفطرة، ولكن للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل، وعليها من الواجبات مثل ما عليه، كل بحسبه وطاقته.
1- قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
2- وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [71]} [التوبة: 71].
3- وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أنْ ألحَقَ بِأصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قال: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً». أخرجه البخاري.

.حكم شفاعة القاضي:

يستحب للقاضي أن يشفع الشفاعة الحسنة، فيطلب من المتخاصمين أن يصطلحوا، أو يتنازل أحدهم عن بعض حقه.
ويسن أن يرغِّبهم في الصلح والعفو والتسامح؛ لتدوم المودة بين الخصوم، وتصفو النفوس من الغل، وتسلم من التقاطع.
فإن اتضح الحكم الشرعي حكم به.
1- قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [114]} [النساء: 114].
2- وقال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [22]} [النور: 22].
3- وَعَنْ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى: «يَا كَعْبُ». قالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله، قال: «ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا». وَأوْمَأ إلَيْهِ: أيِ الشَّطْرَ، قال: لَقَدْ فَعَلتُ يَا رَسُولَ الله، قال: «قُمْ فَاقْضِهِ». متفق عليه.

.وقت انتهاء ولاية القاضي:

كل ما تنتهي به الوكالة تنتهي به ولاية القضاء كالعزل، والموت، والجنون، وكل ما تزول به الأهلية.
ولا ينعزل القاضي بموت إمام المسلمين أو ترك منصبه، وللقاضي أن يعزل نفسه؛ لأنه كالوكيل عن الإمام.

.من يعزل القاضي:

يجوز لإمام المسلمين عزل القاضي فيما يلي:
إذا أخل القاضي بواجبه.. أو كثرت الشكاوي عليه أو منه.. أو وجد من هو أفضل منه.. أو كان في عزله مصلحة للمسلمين ونحو ذلك من الأسباب.
فإن لم يكن شيء مما سبق حرم عزله؛ لأنه عبث منهي عنه.
وينعزل القاضي بنفسه بأحد ثلاثة أسباب:
1- الردة بخروجه عن الإسلام؛ لأنه يكون كافراً.
2- الفسق وهو من يخل بأحكام الشريعة والآداب العامة.
3- زوال الأهلية بجنون أو إغماء أو تخريف ونحو ذلك.

.حكم الشفاعة:

الشفاعة قسمان:
1- الشفاعة الحسنة:
وهي الشفاعة والتوسط للناس ابتغاء مرضاة الله في جلب نفع لهم، أو دفع ضر عنهم، في غير معصية الله، ولا حد من حدود الله، ولا إبطال حق، ولا إحقاق باطل.
فهذه الشفاعة حسنة محمودة مندوب إليها، وفيها أجر عظيم.
ومن أمثلة الشفاعة الحسنة:
التوسط لقضاء حاجات الناس، وتفريج كربات المحتاجين، وقضاء حاجات الضعفاء والعاجزين، والتوسط في تخفيف الدين عن المدينين أو إسقاطه أو قضائه، والتوسط في فعل الخير.
1- قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [85]} [النساء: 85].
2- وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا فَلتُؤْجَرُوا، وَليَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ». متفق عليه.
2- الشفاعة السيئة:
وهي محرمة كالشفاعة مقابل رشوة، أو السعي في إسقاط حد، أو السعي في الإثم والعدوان، أو السعي في إحقاق باطل أو إبطال حق، أو تقديم من لا يستحق التقديم، أو الوساطة التي تؤدي إلى تأخير مستحق أو حرمانه ونحو ذلك مما يضر بمصلحة المسلمين.

.حكم الحِيَل:

الحيل: هي التحول من حال إلى حال بطرق خفية.
والحيل تنقسم إلى قسمين:
1- حيل محمودة: وهي ما استُعمل للوصول إلى غرض محمود، أو النجاة من الهلاك، كمن احتال لصيد الطير أو النجاة من العدو، أو احتال لدفع مفسدة عظيمة، أو احتال لتحصيل مصلحة جائزة ونحو ذلك.
2- حيل مذمومة: وهي ما استُعمل للوصول إلى غرض ممنوع شرعاً، كالحيل لإفساد البيع، أو إسقاط الميراث، أو إسقاط الحدود، أو إسقاط الحقوق، أو إسقاط الزكاة، أو تحليل ما حرم الله ونحو ذلك.
وهذه الحيل كلها محرمة، بل هي من كبائر الذنوب.

.حكم التورية:

التورية: أن يأتي الإنسان بكلام يحتمل معنيين، ويقصد المعنى الخفي.
والتورية جائزة؛ للمصلحة والحاجة كأن يسألك العدو: من أين أنت؟
فتقول: من ماء، وتقصد أنك مخلوق من ماء، وهو يظن أنك من موضع يقال له ماء ونحو ذلك.
ولا ينبغي الإكثار منها؛ لئلا يظن الناس به الكذب والاحتيال.

.5- صفة الدعوى:

الدعوى: هي طلب المدعي من القاضي حقاً عند غيره بقول أو كتابة.
البينة: هي كل ما يُبِيْن الحق من شهود، أو يمين، أو قرائن الأحوال ونحوها.

.أركان الدعوى:

أركان الدعوى ثلاثة:
الأول: المدعي: وهو الذي يطالِب بالحق.
الثاني: المدعى عليه: وهو المطالَب بالحق.
الثالث: المدعى به: وهو الشيء أو الحق المطالَب به.
فالمدعي إذا سكت عن المطالبة بالحق تُرك، والمدعى عليه إذا سكت لم يُترك.
والمدعي هو الذي يُكلَّف بإقامة الدليل والبينة على صدق دعواه؛ لأن الأصل في المدعى عليه براءة ذمته.

.شروط صحة الدعوى:

يشترط لصحة الدعوى ما يلي:
1- أن يكون كلٌّ من المدعي والمدعى عليه جائز التصرف، وهو الحر البالغ العاقل الرشيد؛ لأن الدعوى يترتب عليها حكم شرعي، فلم تصح من غير جائز التصرف.
2- أن يبيِّن المدعي دعواه بالتفصيل أمام القاضي، ويحررها ذاكراً جنسها وقَدْرها وصنفها وكل ما يميزها؛ لأن الحكم مرتَّب عليها.
3- أن تكون معلومة المدعى به، وأن يصرح المدعي بطلب الحق أو العين.
4- أن يكون المدعى به حالاًّ إن كان ديناً.
5- أن يكون المدعى عليه معلوماً، حاضراً، أو غائباً، أو ميتاً.

.إقامة الدعوى:

تقام الدعوى في بلد المدعى عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته.
فإذا ماطل المدعى عليه، أو هرب، أو تأخر عن الحضور، من غير عذر، ألزمه القاضي بالحضور وأدبه.

.إثبات الدعوى:

لا تثبت دعوى أحد على غيره إلا بدليل يستبين به الحق ويظهر، ويحرم على الإنسان أن يدعي ما ليس له.
1- عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لاَدّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنّ اليَمِينَ عَلَى المُدّعَى عَلَيْهِ». متفق عليه.
2- وَعَنِ الأَشْعَث بْن قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أرْضٌ بِاليَمَنِ، فَخَاصَمْتُهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «هَل لَكَ بَيِّنَةٌ؟». فَقُلتُ: لا، قال: «فَيَمِينُهُ». قُلتُ: إذَنْ يَحْلِفُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، عِنْدَ ذَلِكَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}. متفق عليه.

.أحوال المدعى به:

إذا ادعى المدعي والمدعى عليه عيناً فلا تخلو من ست حالات:
الأولى: إن كانت العين في يد أحدهما فهي له مع يمينه إن لم يكن للخصم بينة، فإن أقام كلٌّ منهما بينة فهي لمن هي في يده مع يمينه.
الثانية: أن تكون العين في يديهما ولا بينة، فيتحالفان وتقسم بينهما.
الثالثة: أن تكون العين بيد غيرهما ولا بينة لهما، فيقترعان عليها، فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها.
الرابعة: ألا تكون العين بيد أحد، ولا بينة لأحدهما، فيتحالفان ويتناصفاها.
الخامسة: أن يكون لكل واحد بينة، وليست في يد واحد منهما، فهي بينهما على السوية.
السادسة: إذا تنازعا دابة أو سيارة، وأحدهما راكب عليها، والآخر آخذ بزمامها، فهي للراكب بيمينه إن لم تكن بينة.

.حكم كتاب القاضي إلى القاضي:

يُقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لآدمي في الأموال كالبيع، والإجارة، والوصية ونحوها عند الحاجة.
وفي الحقوق كالنكاح، والطلاق، والجنايات، والقصاص ونحوها.
ولا ينبغي أن يكتب القاضي إلى القاضي في الحدود الواجبة لله كحد الزنا، والسكر ونحوهما؛ لأنها مبنية على الستر، والدرء بالشبهات.

.6- صفة الحكم:

.أقسام الناس في التهم:

الناس في التهم ثلاثة أصناف:
1- أن يكون المتَّهَم معروفاً عند الناس بالدين والورع.
فهذا لا يحبس ولا يضرب، ويؤدب من يتهمه.
2- أن يكون المتَّهَم مجهول الحال.
فهذا يحبس حتى تنكشف حاله، حفظاً للحقوق.
3- أن يكون المتَّهَم معروفاً بالفجور والإجرام، ومثله يقع في الاتهام.
فهذا يُحبس ويُمتحن بالضرب إذا قامت القرائن حتى يقر؛ حفظاً لحقوق العباد.

.صفة الحكم:

1- إذا حضر عند القاضي خصمان قال: أيكما المدعي؟
وللقاضي أن يسكت حتى يبدأ أحدهما، فمن سبق بالدعوى قدَّمه، فإن أقر له خصمه حكم له عليه، وإن أنكر الخصم قال القاضي للمدعي: إن كان لك بينة فأحضرها، فإن أحضرها سمعها وحكم بموجبها، ولا يحكم القاضي بعلمه إلا في حالات خاصة ستأتي إن شاء الله.
2- إذا قال المدعي ليس لي بينة أَعْلمه القاضي أن له اليمين على خصمه، فإن طلب المدعي إحلاف خصمه أحلفه القاضي، وخلى سبيله.
3- إذا نكل المدعى عليه عن اليمين، وأبى أن يحلف، قضى عليه بالنكول وهو الامتناع والسكوت؛ لأنه قرينة ظاهرة على صدق المدعي.
وللقاضي أن يرد اليمين على المدعي إذا امتنع عنها المدعى عليه، لاسيما إذا قوي جانب المدعي، فإذا حلف قضى له.
4- إذا حلف المنكِر، وخلى القاضي سبيله، ثم أحضر المدعي بينة، حكم بها القاضي؛ لأن يمين المنكِر مزيلة للخصومة، لا مزيلة للحق.
ولا يُنقض حكم القاضي إلا إذا خالف الكتاب أو السنة أو إجماعاً قطعياً.

.حكم وعظ الخصوم قبل الحكم:

يستحب للقاضي ترغيب الخصوم في الصلح والعفو.
ويستحب له كذلك وعظهم قبل الحكم، وبيان أن حكم القاضي لا يحل حراماً، ولا يحرم حلالاً.
1- قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [10]} [الحجرات: 10].
2- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا أنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». متفق عليه.

.متى يقضي القاضي بعلمه:

لا يقضي القاضي بعلمه في القضية؛ لأن ذلك يفضي إلى تهمته، بل يقضي على نحو ما يسمع من البينات.
ويجوز للقاضي أن يقضي بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهمة، أو يكون الأمر قد تواتر عنده وعند غيره، وتواترت به الأخبار، واشترك في العلم به هو وغيره كزواج فلان أو وفاته، أو احتراق دار فلان ونحو ذلك مما يشتهر عادة.

.حكم القضاء على الغائب:

يجوز للمدعي أن يدعي على الغائب الذي لا وكيل له.
ويجوز للقاضي أن يحكم عليه إذا ثبتت الدعوى؛ لأن الامتناع من القضاء عليه فيه إضاعة للحقوق، وتفويت للمصالح.
فإن حضر فحجته قائمة، ويُعمل بها ولو أدى إلى نقض الحكم الأول؛ لأن الحكم يزيل الخصومة، ولا يفوِّت الحق.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ، عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لاَ يُعْطِينِي مِنَ النّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ، إلاّ مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلمِهِ، فَهَل عَلَيّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالمَعْرُوفِ، مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ». متفق عليه.

.حكم التناقض:

ينقسم التناقض إلى قسمين:
1- تناقض الشهود:
فإذا أدى الشهود الشهادة ثم رجعوا عنها، أو تناقضوا فيها:
فإن كان ذلك قبل حكم القاضي تكون شهادتهم لاغية ويعزرون، وإن رجعوا عن الشهادة بعد الحكم فلا يُنقض الحكم، ويضمن الشهود ما يترتب على الحكم من ضرر؛ لأن شهادتهم شهادة زور.
2- تناقض المدعي:
إذا سبق من المدعي كلام مناقض لدعواه بطلت الدعوى، كأن يقر بمال لغيره، ثم يدعي أنه له، فهذا الادعاء مبطل لدعواه، ومانع من قبولها.

.حكم نقض بينة المدعي:

يحق للمدعى عليه أن يقدِّم بينة يُثبت بها براءة ذمته، ويَدفع بها دعوى المدعي.
فإن لم تكن له بينة جاز له أن يقدِّم بينة تشهد بالطعن في عدالة الشهود، وتجرح بينة المدعي.

.حكم الإكراه:

الإكراه: هو حمل الغير على ما يكره بالقوة والتهديد.
وينقسم الإكراه إلى قسمين:
1- إكراه على الكلام:
وهذا الإكراه لا يجب به شيء؛ لأن المكرَه غير مكلف، فإذا نطق بكلمة الكفر فإنه لا يؤاخذ، وإذا أقر بشيء فإنه لا يؤخذ بإقراره، وإذا عقَد عَقْد بيع أو زواج أو طلّق فإنه لا ينعقد.
قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [106]} [النحل: 106].
2- إكراه على الفعل:
الإكراه على الفعل قسمان:
1- إكراه تبيحه الضرورة:
كالإكراه على أكل الميتة، أو شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير ونحو ذلك كالإكراه على الإفطار في رمضان، أو السجود لصنم، أو أكل مال الغير.
فهذا إذا لم يكن له خلاص إلا به، ولا ضرر فيه على أحد، فله فعله ولا إثم عليه مادام مكرهاً عليه، وهو كاره له.
قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [195]} [البقرة: 195].
2- إكراه لا تبيحه الضرورة:
كالإكراه على القتل، والضرب، وإفساد المال، والزنا ونحوه.
فهذا لا يجوز له الإقدام على قتل غيره ولا انتهاك حرمته، ويصبر على البلاء، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره.